إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
حول أركان الصلاة (لقاء مفتوح)
8527 مشاهدة
قراءة سورتي السجدة والإنسان في فجر الجمعة

كذلك أيضا شرع الله القراءة بعد الفاتحة في الصلاة؛ فالإمام يقرأ جهرا في صلاة الفجر يُسمع المأمومين؛ المأمومون ينصتون له، يقول الله -تعالى- وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا فينصتون له ويستمعون لقراءته التي بعد الفاتحة، وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في يوم الجمعة في صلاة الفجر بسورة الم السجدة، وسورة هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ يقرأهما كاملتين؛ والحكمة في قراءتهما والإكثار منهما؛ ما فيهما من ذكر المبدأ والمعاد؛ الذي يتذكر به الإنسان مبدأ حالته، ومصيره ومنتهاه.
فإن في سورة السجدة قول الله -تعالى- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ هذا ذكر المبدأ، مبدأ الخلق أنهم من الله، وأنه الذي خلق السماوات والأرض، وأنه الذي استوى على العرش، وذكر أيضا بدء خلق الإنسان، فقال: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ أي: أحسن ما خلقه، وخلْق الإنسان أوله من الطين، الذي هو من التراب؛ فلذلك يخبر بأنه خلق الإنسان من طين، وخلقه من تراب فيتذكر الإنسان مبدأ خلقه.
وكذلك أيضا خَلْق الأولاد؛ ذكر أنهم خلقوا من ماء مهين ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ هذه السلالة الذي هو المني الذي ينصب من الصلب يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ هذه السلالة، جعل نسلهم من سلالة من ماء مهين، يذكره بمبدأ خلقه، ثُمَّ سَوَّاهُ يعني: جعل خلقه كاملا سويا، ونفخ فيه من روحه، يعني: جعل فيه هذه الروح التي يحيا بها، التي تكون علامة على حياته.
يقول: وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ يمنّ على عباده بأنه أعطاهم السمع؛ يسمعون بها الأصوات التي حولهم، ويميزون ويفرقون بين الأصوات، ويعرفون المعاني التي تدل عليها تلك الكلمات بواسطة هذا السمع، والأبصار التي هي: العينين التي يبصر بهما، ينظر بهما طريقه، ويعرف بهما أين يسير، ويقرأ الكتاب، ويكتب؛ كل ذلك بسبب وجود هذه النعمة العظيمة، التي هي الأبصار؛ فيذكر الله -تعالى- عباده مبدأ خلقهم.
ثم يذكرهم النهاية فيقول -تعالى- قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ هذه نهاية الإنسان أنه يتوفاه ملك الموت؛ بمعنى أنه يموت وهو في هذه الدنيا، ثم بعد ذلك يحييهم الله ويعيدهم، كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ هذا معنى المعاد؛ ولذلك قال بعد ذلك: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ أي: نهايتكم إلى الله -تعالى- ترجعون إليه.
كذلك أيضا ذكرهم بما بعد البعث: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا يعني: يذكرهم بأنهم يقفون بين يدي الله -تعالى- ويطلبون الرجعة، يقولون: أرجعنا إلى الدنيا حتى نستقبل عمرا جديدا، وحتى نعمل عملا صالحا؛ فيقول الله -تعالى- قد متعتكم، وأعطيتكم، ولم تنيبوا، وجاءتكم الرسل، وجاءتكم النذر، ولم تقبلوا نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ يقول الله: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي حق القول من الله -تعالى- حيث أخبر بأنه على كل شيء قدير، وأنه خلق الدارين الجنة والنار، وجعل الجنة ثوابا لأوليائه، والنار عقابا لأعدائه.
ذكر الله أيضا في هذه السورة الثواب والعقاب؛ فذكر فيها الثواب بقوله -تعالى- بقوله: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وبقوله: أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ جنات المأوى أي: الجنات التي جعلها الله تعالى مأوى لهم، ثم ذكر العذاب بقوله: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ فنعرف من ذلك أن في هذه السورة ذكر المبدأ والمعاد، وذكر الثواب والعقاب؛ هذا فضل الله -تعالى- يتفضل به على أهل طاعته، وهذا عدله يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ .
والسنة قراءة السورتين كاملتين؛ سورة السجدة كاملة، وسورة هل أتى على الإنسان كاملة، ولا يستطيلها العبد الذي يستحضر أنه واقف بين يدي ربه، ولا يقول: إن في هذا مشقة على الناس؛ من كان كبيرا عاجزا فله أن يصلي وهو جالس، ومن كان قويا فإنه يقوم ويصلي وهو قائم، وليس هناك مشقة.